سكران على باب الله

[size=24] [center][b][size=12]جرع آخر ما تبقى من القارورة وفرك عينيه, ولا زال ممسكا بقارورة النبيذ المعتق, كان الليل والليل صامت في الحارة, استند إلى عامود النور وشخص ببصره إلى النور في أعلاه, وظل كذلك قرابة الدقيقة حتى أحس أن عينيه كادتا أن تعميان ففركهما مرة أخرى ووقف يترنح لا يلوي على شيء.
هب نسيم ليل بارد فأحس برعشة ورفع القارورة إلى شفتيه, وأدرك أنها فارغة وعلى الرغم من هذا هزها مرتين أو ثلاثة فلم تنزل منها قطرة واحدة .. نظر إليها شذرا وفكر ماذا لو أن هذه الزجاجة سحرية؟ ماذا لو أنها كل ما فرغت امتلأت من جديد؟ ضحك فسمع صوت صدى ضحكاته يتردد في جنبات الحارة فسكت واجما, قطب حاجبيه ثم أغلق عينه اليمنى, وفتها بعد ثوان ليغلق اليسرى, وعاد يكرر هذا وهو يتساءل بشده لماذا يتحرك العامود؟ إذا أغلق اليمنى تحرك لليمين وإذا أغلق اليسرى تحرك لليسار؟ جلس على الرصيف يفكر ويفكر حتى تعب.
إيه .. قال لنفسه.. وهو ينظر إلى المنزل الذي أمامه, هناك تعيش أجمل امرأة في الحارة, يحبها جدا وجدا ويأكله أنها لم تلاحظه حتى الآن, أي نعم أنا ساكن جديد في الحارة "حادث نفسه" لكني وسيم جدا, عيبي الوحيد أني سكير .. وهل هذا عيب في هذا الزمن؟
وقف بصعوبة وقرر أن يطرق الباب, ومشى يقطع الشارع الضيق إلى مدخل البناية ثم توقف فجأة لأنه نسي في أي طابق تقطن, حك رأسه بخمول وأخذ يقرأ الأسماء لكنه لم يتبين اسمها فقال لنفسه, لربما أنا مخطأ وليست هي البناية, عاد خطوة مترنحة إلى الوراء ثم ثبت مكانه لحظات, فإذا به يرى قطة تتمطأ .. نظر إليها بغضب لا داعي له وقال: بست اتركيني وشأني ! نظرت له القطة دونما اكتراث فغضب كثيرا منها وقرر أن يضربها بالقارورة الفارغة, ثم أبى قائلا .. لربما امتلأت من جديد؟ أفرحته الفكرة فرفع يديه إلى السماء قائلا: يارب تمتلئ يارب .. وانتظر قليلا ولما لم تمتلئ أحس بخيبة أمل ... فنظر حيث القطة فكانت قد ابتعدت عنه. فجلس مكانه وتعلق بصره بالأرض يراوده النعاس بشدة, ورأي صرصورا يمشي بين قدميه وهو يحرك شاربيه الضخمين فقال: عجبا, شاربا هذا الصرصور أطول من الصرصور نفسه, ثم تخيل جاره وهو يمتلك شاربين هائلين وضحك وضحك وضحك حتى اختنقت أنفاسه وراح يسعل ثم هدأت أنفاسه .. والآن تذكرت!! الطابق الثاني في الشقة اليمين!!
حمل نفسه على قدميه حملا .. وصعد الطابق الأول بصعوبة, ثم الثاني بمشقة هائلة ووقف أمام الباب يلهث .. انتظر قليلا ثم فكر: ماذا أقول لها في هذا الوقت المتأخر؟ عصر أفكاره عصرا لا مجديا حتى اهتدى إلى فكرة ما فرفع يده .. وطق طق طق.. وانتظر, وكان الصمت جوابه .. طرق مرة أخرى بقوة أكبر وانتظر .. سمع وقع اقدام خفيفة فتيقظ .. من أنت ؟ فأجاب: أنا على باب الله ..
فأتاه الصوت من وراء الباب .. في هذه الساعة؟
فقال: وهل باب الله يفتح نهارا ويقفل ليلا؟
فقالت: لا .. لكن اذهب
فقال: انا جارك
فقالت: جاري من؟
قال: جارك الذي انتقل جديدا للحارة
قالت: أوه أنت .. وفتحت الباب قليلا فأطل وجهها الساحر من الفتحة الضيقة فابتسم ابتسامة عريضة وفتح عينيه بقوة وكأنه يغرف من جمالها ما يكفيه .. قال دون وعي: سيدتي ما أجملك!
قالت: أمريض أنت؟
فأجابها: نعم مريض
قالت: خيرا؟
قال: أنت السبب في مرضي, أنت علتي ولكل دواء داء ... وداوها بالتي كانت هي الداء
قالت: انت تهذي .. ثم شمت الهواء حولها وقالت فزعة: سكراااان !
قال بدهشة: نعم ! أقصد قليلا .. هو المرض هو
قالت: على باب الله وسكران ومريض؟
قال وقد أعجبه التعبير: نعم انا سكران على باب الله
فردت: وماتريد؟ انا ساغلق الباب
حك رأسه .. وفكر .. وأخذ نفسا عميقا .. أريد قبلة
غضبت بسرعة .. وقالت: اذهب لعنة الله عليك وعلى امثالك, لو لم أكن أعرفك لطلبت لك الشرطة ! وأرادت أن تقفل الباب فمنعها قائلا وهو في دهشة من غضبها: انتظري انتظري .. لم أقصد أنا إنسان محترم
صرخت فيه فارتعب لكن سرعان ما تطاير خوفه مع نشوة السكر .. فقال: اهدأي أرجوك .. اقول كلمة واذهب
تفضل "قالت له" .. وبسرعة تكلم .. ما رأيك أن نتزوج؟ هزت رأسها وأغلقت الباب في وجهه .. فصاح "لن أبرح مكاني" وغضب وشعر بالإهانة, ثم هدأ من روعه ووقف أمام الباب ينتظر, وظل واقفا قرابة الساعة كتمثال من الصخر ... وبعد قليل بعد الساعة فتح الباب مرة أخرى فقال وعينيه المحمرتين بشده: السلام عليكم
فردت: وعليك السلام, واقف منذ ساعة؟
قال: نعم
قالت: وماذا تريد؟ اذهب إلى بيتك والصباح رباح
قال: لا
قالت: اذن ادخل
قال: لا
قالت: اذا ماتريد؟
قال: ان اقف هنا حتى الصباح وفي الصباح ننزل ونذهب للمحكمة ونتزوج
قالت: اسمع .. انت سكران ولا تعي ماتقول
قال: انا سكران أي نعم, لكن أعي تماما ما أقول وأريد أن أتزوجك!
قالت: وانا لا أريد
قال: اذا ساقتل نفسي
قالت: يا رجل اهدأ وعد في الصباح
هز رأسه بعنف: مستحيل
قالت: اووف .. انا سادخل لكي أنام
فقال: أتمنى لك أحلام سعيدة
ادهشها الرد فضحكت من قلبها بصفاء ورأته يبتسم لمرأى ضحكتها الجميلة, وقد بلغ منه الارهاق مبلغه, فوقع على ركبتيه, وهو يقاوم الإغماء, أمسكت به كي لا يقع على الأرض وشعرت بثقله يكاد يمزق ذراعيها.. فتركته يستلقي أمام عتبة الباب مغشيا عليه ..
أشفقت عليه أيما إشفاق فركضت تجري وأتت بماء تمسح وجهه وتوقظه, نظرت إلى وجهه الوسيم وراحت تربت على خديه ففتح عيناه ببطئ وهمس: أرجوك!
همست: ماذا؟
فقال: قبلة وأموت من بعدها
لم تدر كيف فعلتها ولم فعلتها ولكنها وجدت نفسها قد انحنت على وجهه وطبعت قبلة على شفتيه .. فابتسم وقال: أنا سكران على باب الله .. وغدا نتزوج .. قولي نعم فالله لا يرد التائبين! وأغمض عينيه وغط في نوم عميق .. بينما تنظر إليه وتقول: غدا نتزوج ومعك حق .. الله لا يرد التائبين

الف شكر الك ع القصه الرائعه تحياتي الك

الف شكر الك ع القصه الرائعه تحياتي الك
ألف شكر ع مرورك الكريم

ملاحظة : لقد تم تعديل الخط بناءً على طلب الأخوة القراء
وشكراً على المرور